كتب الصحفي وسام محمد، على حسابه في منصة “فيسبوك”:

تعز مسألة مرهقة بالفعل، لا الصمت مريح ولا الحديث يجدي. مع ذلك بات من اللازم القول ان هذا الوضع ناتج عن عدم اكتراثنا بالاوضاع، عن عدم مواكبتنا وغياب التعاطي مع القضايا بمسئولية أولا بأول. عدم الاكتراث، راكم القضايا فوق بعضها، لهذا عند محاولة الاقتراب منها، لا يتوفر لدينا سوى السخط المدمر للجميع.

نحتاج ان نفهم كيف تشكل هذا الوضع المتصلب. بدون ذلك سوف يظل من الصعب فهم القضايا التي نتصدى لها علاوة على الحديث عنها بمنطق سياسي. هذه هي محاولتي العفوية التي أكتبها وانا مستلقي كامتداد لذات النهج غير المكترث:

– هناك طبعا ما هو تاريخي، الناس في تعز تطارد الحياة مطاردة، من قبل الحرب ثم جاءت الحرب وزادت الامور سوء. لا يمكن مطاردة الحياة وفي ذات الوقت بناء فهم عميق للشأن العام. حتى الذين ظروفهم المادية جيدة، باتوا محكومين بحركة المجتمع. قد لا تصدقون انه لا يوجد في تعز مقيل يمكن ارتياده والاستماع لنقاش سياسي او ثقافي ذو قيمة. غالبا في المقايل تصادف نفس الاحاديث ونفس الضجيج الذي نصادفه في فيس بوك. ما يميز تعز هو متوسط الوعي وضعف الروابط ما يجعل الافكار والمواقف في حالة سيولة دائمة. غير ذلك لا يوجد ميزة.

– ثم هناك ما يتصل بالظروف التي سبقت اندلاع الحرب. جميع القوى السياسية وقعت في سوء التقدير بما في ذلك الاصلاح الذي كان قد فقد شرعيته تماما ثم قرر الانسحاب بحجة انه ليس الدولة لكي يحارب. لكنه ظل محتفظا بعدائه للحوفي وبعد انجاز الانقلاب وانكشاف الواقع الجديد والمرعب، أستعاد شرعية مضاعفة، بينما القوى السياسية الاخرى، توزعت في ثلاثة مسارات. مسار متمسك بمواقفه السابقة على الانقلاب واعتبار الاصلاح هو الخصم الرئيسي واصحاب هذا المسار كان محكوم عليهم بالتلاشي بقوة الواقع. ومسار الشعور بالذنب والانكماش وقرر عدم تكرار الخطأ، ومسار ثالث انخرط في الصراع واكتسب شرعية المجابهة والمواجهة من داخل المعركة، لكنه لم يكن بالقوة التي تؤهله للصمود امام تغطرس الاصلاح الذي أستغل التحولات لصالحه ولم يترك لاحد فرصة ان يتواجد، واصحاب هذا المسار بعد محاربتهم انكفأوا وتحولوا الى ساخطين.

– ثم هناك ما يتعلق بظروف الحرب والحصار. أي شخص عاقل سيرى ان اي صراع داخلي في وضع كهذا، شيء ممقوت. لم يكن من المعقول مطاردة الاخطاء بينما العدو متربص وقد يجتاح المدينة في أي لحظة. لم يكن مستساغ الاكتراث لمسائل هامشية بينما الناس تقصف وتموت. ثم ما هي المصالح التي قد تدفع للتدقيق في الممارسات؟ ما ينشره عبدالستار الشميري حول الاموال والاسلحة التي تحصل عليها بعض القادة من التحالف، تبدو اليوم كقنابل فراغية، لم يكن احدا يتوقع ذلك. كان الاصلاح هو الحزب الوحيد الجاهز لاغتنام الفرص ومراكمة القوة والمال والاكتراث لكل صغيرة وكبيرة، لدرجة تحس وكأنه قد وضع لكل ما هو فاعل سواء كان شخص او منظمة او حزب مشرف خاص.

– ثم جاءت الازمة الخليجية. الامارات تريد اجتثاث الاصلاح، وقطر أصبح لديها سبب اضافي لتقديم مزيد من الدعم المالي والاعلامي واستثارة الغرائز. بالنسبة للناس في تعز تغير موقفهم من السعودية ١٨٠ درجة مع بداية عاصفة الحزم، لكن السعودية لم تكترث لذلك. فتعز ليست قبيلة يمكنها الانقياد خلف شيخ، ثم ان السعودية تكره الحزبية، تكره سقف الحرية المرتفع، وتغير قراراتها الجيدة كل يومين، وقراراتها السيئة تحتاج الى دهر لكي تتغير. مع مرور الوقت تجمدت العلاقات بين الناس في تعز وبين السعودية عند درجة صفر. اما الامارات يكفي انها قائدة الثورة المضادة في المنطقة، لديها اطماع لا تخفى، وتدعم السلفين والانفصاليين وعائلة صالح. وكلها اشياء غير مرغوبة، اما كون الاصلاح هو المستهدف الاول فهذا جلب له تعاطف وتواطؤ وغض الطرف عن الطريقة التي يدير بها الامور.

وسط هذه التناقضات، تغول الاصلاح، ووسطها ايضا راكم الاخطاء وفقد رصيده بالتدريج، ثم استيقظ الجميع امام واقع مركب عصي على الفهم وعلى الحلحلة ليضع الجميع في مهب الريح. ولكن على راي سبينوزا: “لا ينبغي أن نهزأ، ولا ينبغي أن نبكي، وإنما ينبغي أن نتفهم”، وأن نفهم.

شاركها.

اترك ردإلغاء الرد

Exit mobile version