أنس الخليدي:
منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها تشكيل مؤتمر الشباب الأول في تعز كان واضح تمامًا بأن هذا الجيل من الشباب لا يقبل أبدًا دور المتفرج، ولا يرى السياسة ملكية مغلقة للنخب المأزومة، ومن هذه النقطة بدأوا عملهم بوعي غير مسبوق، وعي يقول بصوت مرتفع أن تعز التي قاومت الانهيار لا تحتاج مزيد من الصخب بل تحتاج عقل جديد وقراءة جديدة ونقطة ضوء تُبنى داخل الظلام وليس فوقه.
تحركوا بثبات وهدوء، وجمعوا الخبرة الصغيرة التي يمتلكونها ووسعوا من معناها بالشغف والانتماء الحقيقي، وراكموا فوقها جهد منظم صنع تماسكهم الذي يرفض إعادة إنتاج لغة القوى التقليدية وصاغوا خطاب يتجاوزها بالمعنى والفعل والحضور، خطاب يفهم التصدع الحاصل جدًا لكنه لا يستسلم له، ويدرك عمق المأزق السياسي لكنه يرفض بشجاعة أن يتحول إلى جزء منه، خطاب واعي يؤمن بأن المستقبل لا يأتي من الذين يكرروا الماضي بل من الذين يجرؤوا على كسره، ولأن هولاء كلهم كانوا أبناء اللحظة الوطنية الصعبة، وأكثر صدق مع أنفسهم ومع تعز ومجتمعها، فقد حملوا على عاتقهم مهمة بناء المؤتمر الوطني للشباب بإعتبارها مهمة إنقاذ أخيرة، ليس لأنها كبيرة عليهم بل لأنهم مدركين أنهم آخر جيل قادر على التصحيح قبل أن يأكل الفراغ الذي يتوسع كل شيء ذات معنى، ولهذا السبب والهدف جاءت خطواتهم مترابطة ومخلوقة من الداخل، من بداية أول اجتماع فكر في إعادة الاعتبار لصوت الشباب وحتى آخر عمل أنجزوه بالأمس، وهم يثبتون للجميع أن ما كان قبل عام مجرد فكرة قد تحول إلى كيان، وأن هذا الكيان صار اليوم موقف، وأن الموقف أصبح جزء من وعي ومستقبل المدينة.
جيل مثل هذا الذي أمامكم لم يطلب الاعتراف من أحد بل فرضه بالعمل والانتاج، ولم ينتظر شرعنة أحد بل شرعن نفسه بالمبادرة وشرعية الشعور بالمسؤولية، وبشرعية القدرة على أن يكون جزء أساسي من المشروع الوطني الذي لا يساوم على نفسه، ولا على قضايا بلده. وهكذا، أصبح مؤتمر الشباب الأول في تعز ليس فقط مجرد منصة سياسية بل لحظة انبعاث لوعي جديد يرى في نفسه رصيد وطني وليس مجرد تابع، وأن تعز التي قاومت جميع أشكال الإنهيار المنظم تستحق شباب يكتبون دورها القادم دون مخافة أو إذن أو انتظار. كل هؤلاء الشباب هم اليوم العلامة الفارقة التي تقول بوضوح شديد أن المستقبل لم يحسم بعد، وإن مدينة تعز التي يحملها التاريخ على كتفه يمكن أن تحمل نفسها مرة أخرى طالما يوجد فيها جيل يستطيع أن يحول التشقق إلى خارطة طريق وطنية نحو دولة تستعيد معنى وجودها.


