إبراهيم الجبري:
حبيت أشارككم اليوم حكايتي البسيطة مع مناسبة لها مكانة كبيرة في ذاكرتي الثقافية..
ذكرى تأسيس مجلة العربي.
العربي بالنسبة لي ما كانت مجرد مجلة.. كانت شيء يشبه الجامعة داخل البيت.
مكان يجمع كل شيء: الفكر، السياسة، الفلسفة، الأدب، الجغرافيا، الفن…الخ.
خليط جميل بين العمق والبساطة، بين المتعة والمعرفة، بين الماضي والمستقبل.
ولذلك كانت المجلة الوحيدة اللي ظلت ثابتة معنا رغم تغيّر السنين وتبدّل الاهتمامات.
ترجع قصتي مع العربي لذكريات صغيرة جدًا…
من أيام الصف الرابع او الخامس ابتدائي، يوم حاولت – من باب التقليد – أكتب أول شعر غزل في حياتي.. والسبب الرئيسي سماعي للشعر في مجلسنا بصورة مستمرة…
كان مجلس أبي – حفظه الله – يجمع الشعر والأدب والسياسة والفن،.،.،الخ، وكان من الطبيعي أحاول أقلد الناس اللي حولي، خصوصاً أخي الكبير عبدالخالق اللي كنا نشوفه المثقف الأول في البيت:
مثقف، شاعر، قارئ، وصاحب ذائقة مميزة.
بصراحة كانت أسوأ تجربة شعرية في حياتي! لكن الجميل، إن أخي ما ضحك ولا أحبطني، بالعكس شاف إنها خطوة ممكن توديني لمكان أجمل.
بدأ يفتح لي أبواب القراءة، ويحط في يدي كتب تناسب سني:
– المثقف الصغير
– العربي الصغير
– سلسلة رجل المستحيل
وغيرها كثير من الكتب والقصص…
كل كتاب كان سُلّم صغير أطلع فيه لفوق، وكل قصة كانت تفتح لي نافذة على عالم جديد.
وبعد سنة أو سنتين جاءت اللحظة اللي غيّرت كل شيء.. يوم أعطاني أول عدد من مجلة العربي.
أتذكر كيف كنت أقلب صفحاتها بسرعة، أدور على العناوين اللي تخطف العين، القصص، الصور، المقالات الخفيفة.
ومع الوقت صرت أركز على المواضيع الكبيرة اللي كان يناقشها “الكبار” في المجلس:
غزو العراق، حال المنطقة، التحولات السياسية، قضايا الإنسان، بل حتى مواضيع مثل النظرية النسبية والانتقال عبر آلة الزمن!
العربي كانت أول نافذة تخليني أحس إني فاهم العالم.. بطريقة بسيطة وممتعة في نفس الوقت.
ومع الأيام، ما عاد موضوع قراءة مجلة العربي عادة أو تقليد.. صارت طقس ثقافي، جزء من روتين البيت.
كل فترة أرجع لعدد قديم، وأتفاجأ إني أفهمه بشكل مختلف.. كأنها تكبر معي، تتطور معي، تفتح لي باب جديد في كل مرحلة من عمري.
اليوم ومع هذا الاحتفاء العربي.. نحن فعليًا نحتفي بذاكرة تربينا عليها، وبمجلة رافقتنا من الطفولة إلى الوعي، وتركت فينا بصمة ما قدر يمحوها الزمن.
ولا يمكن نذكر العربي بدون ما نشكر كل من يحاول يحافظ على روح الثقافة وسط هذه الظروف الصعبة.
كل التقدير لمؤسسة أرنيادا للتنمية الثقافية.. مؤسسة تشتغل بشغف، وتخلق مساحات جميلة للمعرفة والحوار والإبداع.
وتحية كبيرة لـ بيت الصحافة، هذا المكان الدافئ اللي دائما يجمعنا، بروح المدينة، وتنّوع أهلها، ونبضها الثقافي الحقيقي.
والتقدير الكبير لمدير مكتب الثقافة بتعز على حضوره وتشجعيه.

