أنس الخليدي:
في ديسمبر 2017م وخلال زيارته للرياض ولقائه بالرئيس هادي مع رفاقه قادة تعز، وقبله تقريبًا لقاءه برشاد العليمي، قال وهو يسحب النفس الثالث من سيجارته ويرمي نصفها تحت قدمه ويرفسها بنفاد صبر وغضب:
لا يوجد أسوأ من هادي إلا رشاد
وأكمل، بنبرة تجمع بين الاحتقان والاستهزاء، هادي حالة معجونة من الحقد والانتقام وطبيعي نشوفه تائه ولا يعرف حتى ماذا يريد كرئيس شرعي للبلاد ولا يعرف ماذا يريد منه الجنود في الميدان وهم يقاتلون لاستعادة دولته. أما رشاد؟ فقد جمع ما عند هادي وزاد عليه بحمله للحيلة واللؤم وبالقدرة على التلاعب بحالة وطنية عادها تحاول أن تولد.
في ذكرى استشهاد العميد الركن عدنان الحمادي قائد اللواء 35 يعود اسمه كا عام كأنه اختبار أخلاقي لضمير هذه البلاد كلها. لم يكن عدنان شخص عادي ولا حتى مجرد ضابط بل كان واحد من أولئك الذين اختصروا معنى الوقوف عندما ينهار كل شيء، واحد من أولئك الأبطال الذين اختصروا معنى أن تفرض على اكتافهم مهمة أكبر من اجسادهم بل وأكبر حتى من لحظتهم التاريخية.
لم يتقل كضابط، بل قتل كـ فكرة، والفكرة التي أرادتها اليمن منذ اللحظة الأولى للانقلاب المشؤوم كانت، جيش جمهوري بلا ولاء مزدوج، وقرار وطني لا يتشظى بين المراكز، وحلم واضح لدولة تتنفس من جذورها وليس من وصاياتها، وحين سقط لم يسقط مجرد شخص بل سقط العنوان الأول للجمهورية الثانية وعلامة الكفاح الوطني الذي أطلق الحمادي طلقته الأولى معلنًا للإمامة الجديدة وحلفاءها أن مشروع استعادة الدولة يبدأ أولاً من رجل يحمل رصانته وقناعته قبل بندقيته.
كان مبدأ جمهوري مكتمل الملامح، مبدأ يدرك تمامًا أن المعركة في اليمن ليست معركة خطوط تماس لكنها معركة وعي حاسمة، وأن الدولة اليمنية لن تعود إلا حين يتقدم الرجال الذين لا يمكن شراء إرادتهم أو حرف بوصلتهم أو استئجار بنادقهم، فكان إعلان استشهاده هي العلامة المبكرة على اتجاه الريح، وأن اليمن بدأت فعليًا تخسر رجالها وقاداتها الأكثر صدقًا والأصدق انتماءًا قبل أن تخسر معاركها، وأن المشروع الذي أسسه عدنان بحكمة الجندي وببصيرة القائد بدأ يستهدف من جذوره، ولأن رصاصات الاغتيال الجبانة قد اختارت عدنان، فقد اختار القاتل اغتيال المعنى الكبير لهذه الملحمة الوطنية، اختار النواة الوطنية الحقيقية للجمهورية الجديدة.

